بتاريخ 10 يونيو 2021

ان الرياضة لم تعد في وقتنا الراهن مجرد ميدان للتنافس وحصد البطولات وحسب، وإنما أصبحت صناعة قائمة على دعائم اقتصادية ، وباتت تشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي للكثير من دول العالم التي وفرت المناخ لخصخصة القطاعات الرياضية وعملت على تطبيق نظام الاحتراف المدروس في مختلف محاور المنظومة الرياضية ، والخصخصة ببساطة هي توسيع الملكية الخاصة ومنح القطاع الخاص دوراً متزايداً في الاقتصاد الوطني أي أنها أداة تستطيع الحكومة بها توفير المال وتقديم خدمات أفضل ، ورياضيا اعطاء الفرصة لتحويل ملكية الدولة للمشروعات الرياضية للقطاع الخاص لتولى ادارة وانشاء هذه المشروعات الرياضية بالشكل الذي يضمن تخفيف العبء المالي عن كاهل الدولة وتحقيق طفرة ادارية ومالية في ادارة هذه المشروعات الرياضية ،ولقد اعتقنت مؤخرا عددا من الدول العربية هذه الفلسفة وتبنتها بشكل رسمي وسنتناول في مقالنا هذا ثلاثة نماذج ، وكان في مقدمة هذه الدول جمهورية مصر العربية والتي اهتمت بخصخصة الرياضة من التسعينيات وظهرت فيها مؤسسات رياضية خاصة بشكل تام في بداية الالفية الثانية و ظهور اندية خاصة على غرار نادي “وادي دجلة الرياضي” والذي اصبح نموذجا لكيفية ادارة المؤسسات الرياضية بفكر اقتصادي وفي خلال حقبة زمنية ىتتخطى العشرون عاما تمكنت اندية وادي دجلة من الانتشار و التوسع في مختلف محافظات مصر وانشاء عدة فروع لها تخطت في العدد اندية اخرى عمرها يربو على المائة عام كما انها تفوقت رياضية في العديد من الرياضات وليس فقط على المستوى المحلى ولكن ايضا على المستوى الدولى مثل رياضات الاسكواش والتنس واصبحت تحقق ارباحا واضحت هذه التجربة مثالا يحتذى به .

كما كان هناك شكل اخر من الخضصخة وكان في شكل تعاون اتقصادي بين هيئات رياضية اهلية والقطاع الخاص من خلال ما يطلق عليه الخصخصة الجزئية او استخدام اشكال الخصخة المختلفة مثل مشروعات التأجير التمويلي (B.O.T)  ( البناء – التشغيل – نقل الملكية ) ، وسمعنا مؤخرا عن قيام اعتي واقدم واكثر الاندية جماهيرية في جمهورية مصر العربية وهي النادي الاهلى ونادي الزمالك عن القيام بطرح فكرة انشاء شركات رياضية مساهمة لادارة الانشطة الرياضية وعلى رأسها كرة القدم وكذلك انشاء شركات متخصصة في التسويق الرياضي وشركات اخرى في ادارة وتشغيل المنشآت الرياضية وشركات اخرى للاعلام الرياضي .

ايضا ظهور شكل اخر من اشكال الخصخصة الجزئية وهو قيام اكاديميات خاصة بادارة وتشغيل التعليم الرياضي بالاندية مقابل حصول الاندية على عائد ثابت من دخل هذه الاكاديميات او من خلال الحصول على ايجار ثابت وفي نفس الوقت حصول الاعضاء على خدمة مميزة رياضيا تحقق رضاء هؤلاء الاعضاء.

 ولم يقتصر هذا التحول في الفكر الاداري الرياضي على مستوى الاندية الرياضية بل وجدنا الحكومة المصرية ذاتها ممثلة في وزارة الشباب والرياضة تتبني هذا الفكر وهذه الفلسفة وتقوم بانشاء اندية على غرار الاندية الخاصة وسمعنا عن تجربة نادي “النادي ”    “the club “ وهي تجربة جديدة وفريدة بدأت من عام 2019 ، وتعتمد على قيام الدولة بأنشاء هذه الاندية ومشاركة القطاع الخاص في ادارة هذه الاندية لتنافس في جودة خدماتها الاندية الرياضية الخاصة قبل الاندية الاهلية ، ومازالت التجربة قيد التطبيق ولكنها خطوة جرئية في خصخصة الرياضية .

وتلي تطبيق هذه الافكار ، وتلى مصر العديد من الدول العربية كان في طليعتها المملكة العربية السعودية ، والتي الزمت الاندية الرياضية ( اندية دورى المحترفين لكرة القدم كمرحلة اولى )  بضرورة التحول الى الخصخصة او بمعنى ادق ادارة اهذه الاندية دون الاعتماد بشكل رئيسي على الدولة وضرورة البحث عن مصادر تمويل ذاتية ، للقناعة بأن خصخصة الأندية ستسهم في تخفيف العبء المالي المترتب على رعاية الأندية من قبل الحكومات ، وسيؤدي إلى فتح آفاق أوسع من الاستثمار في الأندية سيسهم من دون شك في إثراء مسيرة الحركة الرياضية ويعمل على تحقيق النقلة النوعية المرجوة ، وذلك تكاملا مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ، والتي كان من احد مؤشراتها ومبادراتها القطاع الرياضي.

 وظهرت الفكرة منذ عام 2000 ولكن التطبيق الفعلي كان من 2018 بمشروع توصية من مجلس الشورى ، وكانت وثيقة برنامج التخصيص قد اوضحت أن تخصيص أندية دوري المحترفين السعودي من أهم مبادرات التخصيص الأساسية التي يستهدفها البرنامج بحلول 2020، لتدخل عملية بيع الأندية ونقلها للقطاع الخاص مرحلة الحسم حيث يبلغ عدد اندية دوري المحترفين حاليا 14 ناديًا .

ولدفع الاندية الى ذلك قامت وزارة الرياضة السعودية بوضع لائحة تسمى لائحة الكفاءة المالية للأندية الرياضية، التي تهدف إلى تنفيذ مجموعة من المعايير المنظمة لإدارة الأندية، لتطبيق أفضل ممارسات الحوكمة المالية، ولضمان استقرارها ونموها وتحقيق الأهداف المأمولة منها .

وبالفعل حاولت الاندية العمل بهذه اللائحة والتي تهدف الى تشجيع الاندية لوضع نظام مالي يتناسب مع ايراداتها وكذلك ضرورة تفعيل التعاون مع الكيانات الاقتصادية في الممكلة للبحث عن مصادر متعددة ومختلفة للتمويل وبدأ يظهر في المجتمع السعودي فكرة ان يكون هناك اندية خاصة ،

وكانت هناك ايضا التجربة الاماراتية, وتناول الاعلام الرياضي خلال الاسابيع الماضية قيام دولة الامارات العربية الشقيقة بتبني نفس الفلسفة من خلال استراتيجية الرياضة الاماراتيه ورؤية 2038 . فلقد اعلن رئيس الاتحاد الاماراتي لكرة القدم لوسائل الإعلام عن خصخصة الأندية، كونه سيكون نقلة نوعية في مسيرة الكرة الإماراتية.

 والحديث عن الخصخصة من خلال المسئولين الحكوميين وبالاخص من خلال وزارء الرياضة ومن خلال رؤساء اللجان الاولمبية والاتحادات الرياضية المختلفة أمر جريء وشجاع، ويهيئ عقول من يعملون في القطاع الرياضي إلى مرحلة الاعتماد على الذات ، أي أن الأندية ستعتمد على ما تنتجه وما تأتي به إلى خزائنها نتيجة عملها ونجاحاتها وإنجازاتها وجماهيريتها.

وبالفعل بدأ الخبراء وبدأت ادارات الاندية في التفكير في كيفية العمل على هذا الملف . ومن خلال الخصخصة تحصل الرياضة على عدد من الفوائد والمزايا مثل تطوير الفكر الاداري وتطوير المنشأت الرياضية ، تطوير نظم المسابقات ، تطوير العاملين بالمجال الرياضي خاصة الاجهزة الفنية والادارية والذي سينعكس بالطبع على مستوى اللاعبين .

وللخصخصة اساليب متعددة مثل عقود الإدارة.،  عقود التأجير.،منح الامتياز.،  البيع للقطاع الخاص (البيع المباشر، البيع عن طريق المزاد ،  البيع عن طريق العطاء).،  بيع الأسهم في الأسواق المالية عن طريق الطرح للاكتتاب العام.،  البيع للعاملين،  مقايضة الديون. ،  إعادة الهيكلة.

و من اهم مبادئ الخصخصة هو ان يكون المشروع المراد تخصيصه ذا جدوى اقتصادية يجذب المستثمرين لذلك قد تتخذ الدولة أو وزارة الشباب والرياضة في بعض الاندية والمؤسسات الرياضية والمشاريع المستهدفة بالخصخصة التي لا تلقى اقبالا كبيرا من قبل المستثمرين عدة إجراءات قبل طرحها للتخصيص مثل اعادة تأهيل هذه المؤسسات او تجزئة المشروع او تقديم تسهيلات او اعفاءات او اعانات للمستثمرين او منح قطعة ارض كبيرة للنادي وابتكار أفكار تجعل تخصيصها أكثر قبولا وجذبا للمستثمرين

لا شك أن في الخروج من نظام الملكية العامة إلى نظام الملكية الخاصة بعد سيطرة القطاع العام على النشاط الرياضي فترة طويلة سوف يبرز مجموعة من المشاكل والصعوبات، وعلية ومن اجل تنفيذ الخصخصة بالشكل الامثل يتطلب من السياسين وخبراء الاقتصاد ان يكونوا جادين في تطبيق الخصخصة في المجال الرياضي كما يتطلب من خبراء القانون احداث تغيير جذري في الوضع القانوني للخصخصة وللاستثمار سواء للمؤسسات الدولة المختلفة او في القطاع الرياضي ويمكن أن تشمل هذه التغييرات القوانين واللوائح التنظيمية والمالية التي تساهم بتحويل الأندية والمؤسسات الرياضية الى شركات استثمارية مساهمة في الارتقاء بالرياضة والاقتصاد

وبالتالي يتضح لنا ان الرياضة خلال الفترات القادمة ستعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص وعلى قدرة الاندية والمؤسسات الرياضية على توفير التمويل اللازم لها والذي يضمن لها القدرة على المنافسة بل الاصعب القدرة على الاستمرار او مايطلق عليه الاستدامة “sustainability”.

 ولكن السؤال الاهم هنا هو : هل ستصلح هذه الفلسفة وهذا الفكر مع كل الدول بشكل متساو ام ان العوامل الاجتماعية والثقافية قبل الاقتصادية ستؤثر على ذلك وتحتاج الى افكار مغايرة  ؟

سؤال اطرحه للجميع

أ.د. أحمد عبد الفتاح احمد سالم – استاذ الادارة الرياضية – جامعة أم القرى  المملكة العربية السعودية – مستشار التميز

Total Page Visits: 1161 - Today Page Visits: 1

Comments are disabled.